بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله عز وجل يحب عباده ويرحمهم :
أيها الأخوة، أخرج الإمام مسلم في صحيحه:
((إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني))
[مسلم عن أبي هريرة]مرضت، الله يمرض!
((قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني. فقال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا بن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه؟ أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي))
أول معاني هذا الحديث أن الله عز وجل في علاه وتباركت أسماؤه، الذات العلية، خالق السموات والأرض، يحب عباده ويرحمهم، فعبر عن مرض عبده بأنني مرضت، وهذا الأسلوب في التعبير مألوف عند الأمهات، فإذا مرض ابنها من شدة محبتها له، وشدة رحمتها به، ومن شدة رأفتها به، كأنها هي المريضة " قال: مرضت " والحقيقة لو علم الناس ما عند الله من الرحمة، لو علم الناس رحمة الله عز وجل، وأن كل ما ترى في الأرض من رحمات، من رحمة الأمهات بأبنائهم، من رحمة أمهات البهائم بأولادهم، لعجبت أن كل هذه الرحمة مشتقة من رحمة الله عز وجل، لذلك ورد في بعض الأحاديث القدسية:
(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري...))
[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ]((خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض علي منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا - ونحن في شهر التوبة، ونحن في أفضل أيام رمضان، وفي أفضل ليالي رمضان - وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم- وكأن الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المسلمين المقصرين هو طبيبهم - أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعف، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))
((إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا بن آدم، مرضت فلم تعدني قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟!))
[مسلم عن أبي هريرة]عيادة المريض من أجلّ الأعمال عند الله عز وجل :
وعيادة المريض أيها الأخوة من أجلّ الطاعات، إن المريض قريب من الله عز وجل، المريض فتحت له كوة إلى السماء، المريض أخذت منه بعض الصحة لكن المريض المؤمن عوضه الله أضعافاً مضاعفة بالقرب من ذاته العلية.
((… قال له: " أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده))
مرة أحد القادة في الغرب قال: العجيب أن الله غير موجود في بلادنا، بينما هو موجود في الشرق، قصد أن الإنسان المسلم يسأل الله دائماً، يتوكل على الله، يرجو رحمة الله، يخاف من الله، يكف عن إيذاء الناس خوفاً من الله، يقدم خدماته للناس طمعاً بما عند الله، الله عز وجل وجوده قوي في الشرق عند المؤمنين، لكنك إذا ذهبت إلى بلاد الغرب لا تسمع كلمة واحدة عن الله عز وجل، ولا ترى جنازة، وكأن الموت غير موجود هناك، فهذا المعنى " أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " لأن الله سبحانه وتعالى في بعض الأحاديث القدسية يقول:
((إنِّي جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي، وَحَيْثُ مَا الْتَمَسَنِي عَبْدِي وَجَدَنِي))
[ابن شاهين عن جابر رضي الله عنه ]((من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق))
[ الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ]((إن كنتم ترجون رحمتي فارحموا خلقي))
[ الديلمي عن أبي بكر ]إذاً أن تعود مريضاً هذا من أجلّ الأعمال عند الله عز وجل، إنك إن عدته وجدت الله عنده، لأن الله حينما سلبه بعض الصحة عوضه أضعافاً مضاعفة من قربه من الله عز وجل.
أيّ عمل صالح هو قرض لله عز وجل :
(( يا بن آدم، استطعمتك فلم تطعمني. فقال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!))
الحقيقة هناك آية مؤثرة جداً يقول الله عز وجل:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
[ سورة البقرة: 245 ]خالق الأكوان، مالك الأكوان، من بيده ملكوت السموات والأرض، من إذا قال لشيء كن فيكون، هذا الإله العظيم يطلب منك قرضاً، أي إذا ملك الملوك أموال الأرض كلها بيده، وسأل إنساناً ضعيفاً فقيراً قال له: يا فلان أتقرضني ألف ليرة لأعطيك مقابلها مئة مليار؟
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
[ سورة البقرة: 245 ]الإنسان كما ورد في بعض الأحاديث يضع اللقمة في فم زوجته تكريماً لها فيراها يوم القيامة كجبل أحد.
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الصف: 10-11 ]الإكثار من الأعمال الصالحة شيء عظيم يوم القيامة :
الحقيقة الله عز وجل أراد أن نربح عليه، أراد أن نتاجر معه، إذا تاجرت معه فأنت أول الرابحين.
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
[ سورة البقرة: 276 ]الإنسان إذا أكثر من الأعمال الصالحة يراها يوم القيامة شيئاً عظيماً، والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يوزع شاة يبدو أنه وزع معظمها ولم يبقَ إلا كتفها، السيدة عائشة زوجته وهي جائعة قالت له: يا رسول الله لم يبقَ إلا كتفها؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام قال: بل بقيت كلها إلا كتفها، الذي أنفقته هو الذي يبقى، فلذلك من أجل الأعمال أن تتفقد أخوانك المؤمنين، هذا مريض يجب أن تعوده، أنا والله الذي لا إله إلا هو تطبيقاً للسنة لا يوجد إنسان يبلغني عن أخ كريم مريض إلا أسارع إلى عيادته فهي من أجل الأعمال، وربما ترفع بهذه الزيارة معنوياته، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا إذا عدنا مريضاً أن ننفس له بالأجل، و نقول له: عافاك الله، أما هناك إنسان لا يملك أية حكمة، والله مرضك صعب يا أخي، فهذا من سوء الحكمة، ينبغي أن تنفس له في الأجل، وهو قريب من الله عز وجل.
علاقات الإيمان علاقات أصيلة دائمة وعلاقة المصالح علاقة مؤقتة :
كنت أتمنى وألح على هذا كثيراً، أن يتآخى الأخوة اثنين اثنين، أي أن تصطفي من هذا المسجد واحداً، تجعله أخاً لك في الله، تزوره و يزورك، تنصحه وينصحك، تأخذ بيده ويأخذ بيدك، تكون معه و يكون معك، تعينه و يعينك، ينبغي أن تصطفي واحداً وهذا من السنة النبوية، وقد آخى النبي عليه الصلاة والسلام بين الأنصار والمهاجرين، فتآخيا اثنين اثنين، أخ حقيقي، كان يقول الأنصاري للمهاجر: هذان بيتان فاختر أحدهما، وهذا دكانان فاختر أحداهما، وهذان بستانان فاختر أحدهما، أي بذل يفوق حدّ الخيال، وعفة تفوق حدّ الخيال، ما سجل التاريخ أن مهاجراً أخذ من أنصاري شيئاً، الكلمة الشهيرة التي بدأها عبد الرحم بن عوف: بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق، هذا مجتمع المؤمنين، مجتمع المؤمنين مجتمع الحياة فيه لا توصف، بذل بغير حدود، عفة من غير حدود، وفاء، نصيحة، أما علاقات المسلمين اليوم فعلاقات طارئة، ما دامت هناك مصالح بينهم فبينهم علاقات، فإذا انقطعت المصالح قطعت هذه العلاقات، علاقات الإيمان علاقات أصيلة دائمة، وعلاقة المصالح علاقة مؤقتة، فلمجرد أن تنتهي المصلحة قطعت هذه العلاقة.
إذاً لو أن الواحد منا تفقد أخوانه إذا مرضوا، وإذا جاعوا، وإذا احتاجوا إلى معونة، ما من عمل على الإطلاق يفوق أن تكون مع أخوانك.
((وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْن أخيه))
[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]((من نَفَّسَ عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس اللَّهُ عنه كربةً من كرب يوم القيامة))
[ متفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه]وأنت حينما تساعد أخاك، حينما تدخل على قلبه السرور، حينما تعطيه من مالك، حينما تمده بمساعدة منك، يمتلئ قلبه امتناناً لله ومنك، أنت ماذا فعلت؟ تلهج الألسنة بالثناء عليك، حينما يدعو الناس لك في ساعات خلوتهم مع الله، يا رب احفظ فلاناً، يا رب احفظ له صحته، احفظ له صحة أهله، احفظ له ماله، احفظ له أولاده، يسر أموره، أعطه سؤله، استعمله بالخير يا رب، دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد، كأن هذا الحديث في مجمله: عُد أخاك، أطعم أخاك، أعن أخاك.
((يا بن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه؟ أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي))
للحديث السابق منطوق و مفهوم :
الحديث له منطوق وله مفهوم، مفهوم واسع جداً، الآن أخوك مريض وأنت معك سيارة لو أخذته إلى المستشفى، لو هيأت له الدواء، له ابن يعاني من مشكلة أنت حللت هذه المشكلة عند من تعرفه، طبعاً المقصود ليس أن تطعمه فقط، وليس أن تسقيه فقط، وليس أن تعوده فقط، الموضوع مفهوم هذا الحديث أن تعينه، وأن تقدم له كل المساعدات، والعمل الصالح أحياناً يفوق العبادات النافلة، لأن الله عز وجل قال:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[ سورة فاطر: 10 ]والفقير من لا عمل له، والغني من كان عمله كثيراً:
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
[ سورة القصص: 24 ]والحمد لله رب العالمين